الفصل الثاني : موقف الاسلام من التبعية الاقتصادية.
الإسلام
قد قرر أصول الاقتصاد منذ بداية التشريع الإسلامي وكانت حياة الرسول -صلى الله
عليه وسلم نموذجاً حياً لتطبيق هذا التشريع الذي استمر على نهجه الخلفاء الراشدون
من بعده.
ولئن
كانت الحياة والمشكلات الاقتصادية في الصدر الأول محدودة فإن ذلك يرجع لأمرين:
الأول:
فقر البيئة والتواضع في النشاط الاقتصادي،إذ كانوا يقتصرون على أعمال الرعي،
والزراعة المحدودة، والتجارة الضيقة الحدود.
الثاني:
قوة الوازع الديني وتمكنه من النفوس، فلا غش ولا تدليس ولا غبن ولا احتكار.
وحين
بدأ الناس التوسع في المعاملات نشطت الدراسات الفقهية الاقتصادية وبدأ العلماء
يضعون أحكاماً شرعية لما استجد في زمانهم من أمور ومسائل، فألفوا في ذلك التصانيف
التي تبحث المسائل الفقهية في الجوانب الاقتصادية، فكتب الفقه التي ظهرت في القرن
الثاني الهجري فما بعده، زخرت بمسائل اقتصادية هامة كالزكاة، والكفارات، والعقود،
والمعاملات، والنفقات، والصداق، والمواريث، والديات.ومن هذه الكتب (المدونة
الكبرى) للإمام مالك، و(المبسوط) للسرخسي، و(الأم) للإمام الشافعي، و(المغني) لابن
قدامة.كما ظهرت كتب خاصة في الاقتصاد كـ(الخراج) لأبي يوسف، و(الخراج) ليحيى بن
آدم القرشي و(الأموال) لأبي عبيد، وكتاب (الاكتساب في الرزق المستطاب) للشيباني،
و(أحكام السوق) ليحيى بن عمر، وكتاب (البركة في فضل السعي والحركة) لمحمد الحبشي
اليمني، وكتاب (الحسبة) لابن تيمية وغيره من العلماء.(1)
والاسلام لا يرضى بالتبعية و أن يكونوا مستضعفين
تابعين لغيرهم من الأمم غير الإسلامية كما في قوله تعالى:
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ
آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ
وَأَكْثَرُهُمُالْفَاسِقُونَ )(2).
ويرفض الاسلام التبعيه رفضاً باتا في
قوله تعالى:
( لَا تَجِدُ قَوْمًا
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ
أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ) (3).
وقال تعالى :
(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً للَّهِ
وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ
إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ للَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ(. (4)
وقوله تعالى:
(وَلَقَدْ
كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)
.(5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
معالم الاقتصاد الإسلامي. الشيخ/
ناصر بن محمد الأحمد .موقع (www.alhamd.com).
(2)
سورة آل
عمران آية 110.
(3)
سورة المجادلة:
آية 22.
(4)
سورةالبقرة
: آية 165.
(5)
سورة
الاسراء: آية 70 .
وقوله تعالى:
(يَقُوْلُوْنَ
لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِيْنَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ
وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُوْلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ
لاَ يَعْلَمُوْنَ). (1)
وقوله تعالى:
(ياأَيُّهَا
الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُوْدَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِيْنَ).(2)
وعلينا هنا أن نعرف ماهو موقف الاسلام
من التعامل التجاري مع غير المسلمين فهناك العديد من الاحاديث الشريفة التي وضحت
ذلك.
وقد ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه
أمر ثمامة بتصدير القمح إلي أهل مكة وهي حرب عليه حينما منع ثمامة عنهم ذلك حتى
جهدت قريش وكتبوا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلي
ثمامة ليحمل الطعام إليهم فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك. (3)
وروي البخاري أيضاً عن عائشة رضي الله
عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم "اشتري من يهودي طعاماً إلي أجل ورهنه
درعه".(4)
كما أنه من الثابت أنه كانت الثياب
تجلب إلي الحجاز في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم من اليمن ومصر والشام وأهلها
كفار(5).
وقد
تكون مشكلة كثير ممن وقعوا في أسر الرؤى الاقتصادية غير الإسلامية ، بسبب الدراسة
في جامعاتها ، وفقر في المعرفة الإسلامية ، أنهم عاجزون عن الإدراك ، ومن ثمّ
التسليم بأن هناك نهجاً اقتصادياً غير الذي عرفوه . لذلك ، نجدهم يستغربون
ويستنكرون ، وقد يسخرون ، عندما يلقى على مسامعهم بأن هناك نهجاً اقتصادياً
إسلامياً متميزاً مرشحاً لإنقاذ البشريه من أزماتها المتلاحقة ، وأن أهدافها و
بشكل عام موجودة بالكتاب والسنّة وقد ترجمت إلى برامج وسعت حركة المجتمع
الاقتصادية في عصر الاجتهاد والتألق الإسلامي ، وأن المشكلة اليوم في العقل الذي
توقف عن تصنيع تلك المواد الخام ، وتحويل المبادئ والقيم الاقتصادية إلى برامج تسع
حركة المجتمع المسلم على هدي تلك القيم والمبادئ ، وجنح إلى التقليد والمحاكاة ،
سواء كان التقليد داخلياً ، أو كان التقليد خارجياً ، وذلك باستدعاء البديل الأسهل
مناهج اقتصادية تحمل خصائص وصفات مجتمعات لها عقيدتها وظروفها ، وتجربتها ،
ومشكلاتها ، وعمرها الثقافي والحضاري ، ولها منطلقاتها وأهدافها بعيداً عن قيم
أمتنا ومعادلاتها النفسية والاجتماعية