شريط المدونة

الجمعة، 31 أغسطس 2012

التبعية الاقتصادية واثرها على العالم الاسلامي6


الفصل الأول
تعريف التبعية:
        بعد أن تخلص العالم الثالث من الاستعمار التقليدي أي الاستعمار العسكري،والسياسي ، والاستغلالي وذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتحررت بذلك آسيا وافريقيا حتى بدأ يلوح في الأفق ظهور استعمار من نوع يستخدم فيه آلية جديدة بدلاًمن استخدام الوسائل العسكرية المعروفة . ويتمثل في ذلك الاستعمار الحديث في ربط اقتصاد الدول النامية حديثة الاستقلال باقتصاد الدول المتقدمة ، وعن طريق رؤس الأموال والقروض والمعونات والعينية وغير ها من المنتجات سواء كانت صناعية أو زراعية أو تكنولوجيه فهي ما تستورده من مواد أولية من دول العالم الثالث تأخده أضعاف مضاعفة عندما تصدره لدول العالم الثالث الأقل تنمية والأكثر تخلفاً في كافة موقومات الانتاجية . وفي حقيقة الأمر أن هذا الاستعمار لم يكن أقل وطأة من الاستعمار القديم ، بل هو أشد شراً، ولكن جاء بوجه آخر يبدو للناظر أنه أكثر اشراقاً من وجهه الأول وهذا هو الظاهر. أما مايخفي في الباطن ، فهي نفس النوايا الاستعمارية القديمة البغيضه، والدليل على ذلك هو واقع الدول العالم الثالث ومنها عالمنا الإسلامي وارتباطه بالراسماليه العالمية المتقدمة ، ومن خلال التجارة الدولية. ومن بين دول العالم الثالث، الدول الاسلامية التي تعيش حالة التخلف بكافة أشكاله ،وأهمه التخلف الاقتصادي المتمثل في قلة استخدام الموارد البشريه والطبيعية ، ويترتب عاى ذلك شيوع الفقر، والركود والتقهقر، وبهذا تكون قد حققت فشلاً دريعاً يزيد من حدة التخلف، فكانت اقتصادياتها تابعة للدول الغربية في عدد من الجوانب والمتمثل في استيراد المواد الغدائية ، والسلع المصنعة والتكنولوجيا ....الخ ، وفي تصدير موادها الأولية من الجهة الأخرى . فنيجيريا ، ومصر،وسوريا، والجزائر، والباكستان، وماليزيا، وأندونيسيا هي بعض الأمثلة على ذلك (1).
       ترجع بداية هذه المدرسة التي تفسر تخلف دول العالم الثالث ، الى نهاية الستينات الميلادية، و قد نشأ ت كردة فعل لفشل، و قصور النظريات الاجتماعية ،و الاقتصادية الأخرى التي حاولت تفسير التخلف، و قد نشأت أساسا في أمريكا اللاتينية بصفتها أقرب الشعوب معاناة من محاولات النمو الاقتصادي القائم على التكامل الاقتصادي الذي كان يصب في مصلحة الدول الرأسمالية الاستعمارية،وقد كان للازمة الاقتصادية الكبرى الذي حدثت في أوائل الثلاثينات تأثيرا مباشرا على الدول اللاتينية. نظرا لارتباط اقتصادها وبقوة بالدول الاستعمارية آنذاك.مما جعل المفكرون الاقتصاديون يعيدون النظر مرة أخرى في توجيه التنمية إلى الخارج،و العلاقة القائمة على التبادل بين الدول الإمبريالية ،و الدول التابعة أو المتخلفة، وقد أسهمت اللجنة الاقتصادية لأمريكا الجنوبية  ECLA التابعة للأمم المتحدة . في بلورة هذا الإدراك ، من خلال النقد الذي وجهته لنظرية التبادل الدولي الذي تقوم على أساس أن كل دولة لها ميزة نسبية، و من الأفضل لها أن تتخصص فيما تتميز به  فمثلا السعودية لديها ميزة في انتاج النفط الخام .. فمن الافضل لها لتحقيق اكبر المكاسب في تجارتها الدولية التبادل الدولي أن تتخصص في انتاج النفط ، وتصديره ،و تكتفي باستيراد ماتحتاجه من الدول الاخرى ذات الميزة النسبية في اشياء اخرى  مثل استيراد السيارات من اليابان وامريكا  و غيره، و من الواضح  أنها اثبتث تلك
النظرية  التي مازالت تدرس حتى الان في مدارس الاقتصاد تقوم على أساس تكريس التبعية
لذلك وجهت تلك اللجنة اقتراحاتها ، نحو الاهتمام بالتنمية بالداخل ، وعدم ربط مصيرالشعب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    أنظر: مركز أبحاث الاقتصاد الاسلامي، كلية الاقتصاد والتجارة ، جامعة الملك عبدالعزيز ، قراءات في الاقتصاد الاسلامي – ص 91 – 92 .


الى ما يحدث في الدول الرأسمالية.  غير أن اقتراحات اللجنة ، و منها تقليل الاعتماد على
التبادل مع الاقتصاد الأجنبي لم تحقق النجاح المطلوب .مما نتج عنها انبثاق مدرسة التبعية.


             وقد اهتمت هذه المدرسة بايجاد بديل لاسباب تخلف دول العالم الثالث , على اساس ماعانته هذه الدول من مختلف اشكال السيطرة الاجتماعية و الثقافية و السياسية .و تدور الفكرة الاساسية في هذه المدرسة ،على أساس أنه لايمكن النظر الى دول العالم الثالث بمعزل عن تطور المجتمعات الرأسمالية الغربية ذاتها .و أنه من الضروري النظر الى العالم بصفته نسقا واحدا لا يتجزأ . خصوصا وان العلاقات بين الدول الرأسمالية الصناعية ـ المسيطرة ـ و الدول النامية ـ الخاضعة ـ تشكلت في اطار السوق.ولعل هذا يقودنا إلى تعريف التبعية الاقتصادية، وهناك تعريفين للتبعية . بناء على نظرة كل فريق  .فأحد الفرقاء ينظر اليها على أنها .علاقة بين اقتصادين، احدهما يتوسع على حساب الاخر ، و يكون تطور الثاني تابعا لتطور الاقتصاد الاول ..فيتوقف تطور التابع على توسع الاخر المسيطر.بينما يرى فريق اخر ، أن العلاقة بين الاقتصادين المتخلف و الرأسمالي ، لاترجع فقط الى علاقات الاستغلال و القهر الخارجية ،

        ان التبعية ، لاشك قد عمقت التجزئة بين الدول الإسلامية ،فالدول المسيطرة قديما ، تفرض سياساتها , وثقافاتها .والثقافات المختلفة نتج عنها . ذوبان ثقافي غريب.. بحيث يصعب الجمع بين هذه الثقافات .ان الاستقلال من ظاهرة التبعية ، تعني في نظر البعض. رفض المفهوم الغربي الرأسمالي للتقدم ، فالتقدم ليس زيادة الانتاج وليس النمو مع اعادة التوزيع . بل هو التحقيق المتزايد لقيم المجتمع و ثقافته الخاصة، و يلح البعض على اضافة الهدف الحضاري الى الهدف الاقتصادي ، بل ويشترطه لتحقيق الاستقلال بمعناه الشامل،على ان الكتاب الذين كتبوا كثيرا حول هذا الموضوع، ركزوا كثيرا على العوامل الخارجية و الاستعمار . كرد فعل لنظريات التنمية الغربية التي تقول ان اساس التخلف هو اساس عنصري نابع من شخصية وثقافات دول العالم الثالث.. ولم يركزوا كثيرا على العوامل الداخلية التي أدت الى الذوبان في محيط الدول الاستعمارية . مما اضعف من أهمية هذه النظرية لتفسير التخلف.وسرعان ماتحول الأستعمار الديمغرافي إلى استعمار إقتصادي ينهب ثروات البلاد، إضافة إلى ماحققه من نهب للعباد، مستخدماً محتلف أنواع القمع والقهر(1) .

والتبعية بصفة عامة هي خضوع وتأثر اقتصاد بلد ما بالتأثيرات والتغيرات في القوى الخارجية بفعل ما تملكه هذه القوى من إمكانات السيطرة على الاقتصاد التابع، بشكل يتيح للاقتصاد المسيطرمن جني أكبر نفع ممكن من موارد الاقتصاد التابع دون مراعاة مصلحة الاقتصاد(2).
أي أن الدول المتقدمة ذهبت ابعد من ذلك في نهب خيرات الأمة، وتحويلها من مواد أوليه إلى مواد نهاية ،وضعت بها كافة و صنوف التقدم التقني والخبرات والدراسات السابقة ،وأصبحت مواد وثروات العالم الثالث ،ومنه عالمنا الأسلامي يعيش تحت وطأة  الاستعمار مستخدماً ثرواتها ، وموادها الأولية وبيعها بعد ذلك وتصديرها إلى عالمنا الاسلامي، ونصبح بذلك مستهلكين لهذا المنتج بعدما كنا أصحابه ،ونصبح بذلك اسرى للدولة المتقدمة ولانستطيع أن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د/ سعد ماهر حمزة . المقدمة في إقتصاديات التبعية والتنمية تجارب افريقية عربيه ص 159-160.
(2) جامعة الدول العربية، العلاقات الاقتصادية بني البلاد العربية. إعداد د. محمد لبيب شقير،  ص 45 .
نستغني عن صناعتهم لانهم أهتمو باسباب قيام الصناعة من أبحاث وتطوير وتقدم تقني وهذا مايجب أن نركز عليه فالتطور التقني له دور كبير في صناعة الدول المتقدمة , والابحاث الاقتصاديه لها دور في التطوير والابتكار والتنسيق والدور التقني لاشك كان له اليد الطولى في ذلك ولعلنا سوف نتطرق في باب منفصل عن إيجاد الحلول او حل المشاكل في العالم الإسلامي واسباب تخلفه وأول شيء هو أن نعرف الأسباب ونفصلها ثم بعد ذلك نحاول ايجاد حل لها.ويمكن أن نعرف عاى أهم النقاط الذي ذكرت في نظرية التبعية الاقتصاديه:(1)

 -1 يؤكد أتباع نظرية التبعية أن التخلف والتقدم وجهان لعملة واحدة، بدأت مع نشأة النظام الرأسمالى الذي يبحث عن نظرته الماديه . ويقول فرانك فى ذلك أن التخلف لم يكن حالة متأصلة فى اقتصاديات دول العالم الثالث قل اخضاعه للنفوذ والسيطرة الأوروبية، بل إن التخلف نشأ فى نفس اللحظة التاريخية التى ظهر فيها التقدم فى مراكز العالم الرأسمالى. فتخلف العالم الثالث ما هو إلا نتاج مباشر للتنمية الحقيقيه ، والتي نشأت تحت سيطرة  المركزالرأسمالى.

 -2يؤكد أنصار التبعية على استنزاف فائض الدول المتخلفة وتصديره إلى المراكز الرأسمالية، فقد شهد تاريخ العالم النهب الاستعمارى الذى مارسته الدول الكبرى على الدول الصغرى.

 -3يتفق أنصار التبعية على مقولة عدم التوازن بين العواصم المركزية والمحيطات الهامشية والتى تقوم على افتراض مؤداه أن نشأة النظام الرأسمالى وتوسعه فى العالم خلق الشروط الضرورية للتخلف فى الأجزاء الأخرى من العالم الفقير.

 -4 يؤكد أنصار التبعية على علاقات تحالف المصالح بين القوى الرأسمالية المسيطرة من الخارج، والقوى الداخلية المتحكمة فى داخل دول العالم الثالث. بل إن استراتيجية المركز تقوم على خلق فئات حاكمة تابعة أو خادمة تتوقف شرعيتها فى الحكم على خدمة الاقتصاد الأم وتصبح هذه الفئات مدعمة للتبعية وميسرة للتغلغل الرأسمالى داخل هذه الدول، ومسرعة بالاندماج الكامل فى السوق الرأسمالى العالمى.
إلا أنه رغم ذلك، فإن التطورات العالمية التى أفرزت هذه الانتقاداتوغيرها، تؤكد نفسها واستمرار أهمية التحليلات العلميه التى يقدمها أصحاب نظرية التبعية، وعلى رأس هذه التطورات: تضخم الديون المتراكمة على مجتمعات العالم الثالث نتيجة لتبعيتها للغرب، وإجبار هذه المجتمعات على فتح أسواقها أمام الواردات من دول المركز الرأسمالى مع زيادة تكاليف ومطالب الحصول على ما يساعد دول الهامش على تطوير مستوياته العلمية والتكنولوجية، وتزايد الرقابة على السياسة من المركز على تدفقات الاستثمارات، وفرض الاتجاه إلى التصدير على برامج التنمية فى دول الهوامش، مما يربط تلك البرامج أكثربالأسواق وبمصادر التمويل الأجنبي (2).
ولقد كان من نتائج هذا الإرث التاريخي (التبعية) الذي تم بمقتضاه إلحاق الدول النامية (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 (1) سامى خشبه، مصطلحات الفكر الحديث، ج2، مكتبة الأسرة، 2006. ص 335.
(2) هورست أفهيلد، اقتصاد يغدق فقراً، ترجمة: عدنان عباس على، عالم المعرفة، العدد 335، الكويت، يناير 2007. ص 179.
(3) د. إبراهيم العيسوى، قياس التبعيه في الوطن العربي، مركزدراسات الوحدة العربية، ص13-17.

بما فيها الدول العربية بالدول التي تشكل النظام الرأسمالي من منطلق عدم التكافؤ تقييد الإرادة الوطنية للدولة التابعة وشل قدرتها في رسم السياسات الملائمة لها مقابل هيمنة الدول المتقدمة في تحديد مسار تلك السياسات بشكل يتيح لها تسخير موارد الدول النامية لخدمة اقتصادياتها .
          يعود ظهور مفهوم التنمية الاقتصادية لأول مرة إلي نهاية الحرب العالمية الثانية في إطارالتوجه الدولي الرامي إلي إعادة اعمار الدول الأوروبية التي أنهكتها الحرب، و تمكين المستعمرات التي بدأت تتجه حثيثا نحو نيل الاستقلال من بناء ااقتصاداتها التقليدية علي أسس جديدة،و إذا كان الشق الأول المتعلق بإعادة الاعمار قد تكفل به مخطط مارشال، و لم يطرح أي إشكال يذكر، إلا أن الجانب المتعلق بالنوع الثاني من الدول التي ستصنف لاحقا تحت لائحة الدول المتخلفة أو الفقيرة أو النامية أو السائرة في طريق النمو أو دول العالم الثالث، ظل عصيا عليها الحل.فلم تتمكن هذه الدول من علاج مواطنيها من براثن التخلف أو بعث مشاريع اقتصادية من شأنها أن تعزز التنمية.
          و تفسر هذه الإخفاقات المتكررة فشل المخططات، و الاستراتيجيات التنموية التي تم اعتمادها من طرف الدول المعنية كما أفضت إلي ظهور فرع خاص من فروع علم الاقتصاد "اقتصاديات التنمية" وعليه إن تتبع هذا الفكر التنموي ،  فالتنمية كمفهوم هي مدار البحث ظلت موضوع خلاف كبير و لم يكن البحث فيها علي تعريف حقيقي ، بل إنها عرفت تغيرا كبيرا عبر الزمن لم يعد معه استخدام مصطلح التنمية معبرا عن نفس المعني. كما أن انقسام العالم إلي قطبين كبيرين: رأسمالي، و اشتراكي، و ما أدي إليه هذا الاستقطاب المحموم من تقليص لسقف الحرية الفكرية و الموضوعية العلمية في البحث لم يترك لمحاولات البحث عن بدائل تأخذ من هذا الطرح أو ذاك أو تتجاوزهما معا فرصة كبيرة في النجاح خصوصا إذا كانت هذه المحاولات قادمة من الدول المتخلفة.
          و تعتبر مدرسة التبعية من أبرز المحاولات الجادة التي اعتمدت في تأسيس طرحها علي منهج علمي يجمع من جهة بين بناء المؤشرات البسيطة و المركبة لقياس التبعية، و من جهة أخري استخدام أدوات التحليل التاريخي، و يري أنصار هذه المدرسة أن التبعية بمختلف تجلياتها الاقتصادية، و السياسية، و الثقافية تمثل معيقا بل مانعا رئيسيا للتنمية يتعين كسره.و لن يأتي ذلك إلا باعتماد استراتيجيه تنموية معتمدة علي الذات.
          ويرى فريق من الاقتصاديين أن صور التبعية المنتشرة في اقتصاديات الدول النامية ما هي إلا نتيجة لأثر تبعية سياسية سابقة في الوقت الذي لا زالت فيه العلاقات الاقتصادية الدولية لا تخرج عن كونها مجموعة من العلاقات بين المسيطرين (الدول المتقدمة) والتابعين (الدول النامية) ([1]).
ولقد اهتم بعض المفكرين بمشكلات التخلف، فكانت هنالك العديد من النظريات ونذكر منها على سبيل المثال.(2)
1-    النظريه الجغرافيه:
وترى أن الدول المتخلفه تقع في الجنوب الحار من الكرة الأرضيه ، وأن الدول المتقدمة تحتل الشمال المعتدل، فالمناخ والموقع الجغرافي هما اللذان يحددان درجة التقدم.ومثلهذه التفسيرات اصبح غير منطقي كما أنه غير مقبول، لأن المناخ الذي يسود الدول الصناعية لا يمكن و صفه الا بالمناخ البارد والبارد جداً، ثم أن العامل الجغرافي قد تقلص دوره أمام التطورات التي غزت


([1]) د. حمدية زهران، مشكلات التجارة الدولية في البلاد المتخلفة، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1979، ص 17 .
(2)  يوسف عبدالله بدرانه . رسالة ماجستير . جامعة اليرموك . الاردن .