لذلك ، بقيت عاجزة عن النهوض والتحديث
، كما عجزت الأشكال القديمة عن تقديم الحل المطلوب ودفعت بالكثير إلى التفكير باستيراد البديل من
الخارج ، كما أسلفنا .والمال في الإسلام وسيلة لتحقيق رسالة، وليس هدفاً قائماً
بذاته .
قال تعالى:
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله
إليك ). (1)
فإذا تجردت الحركة الاقتصادية عن ضابطها الخلقي ،
وهدفها ، وانقلبت الوسيلة إلى غاية ، انتهى الأمر بالإنسان إلى أزمات نفسية ،
واجتماعية ، واقتصادية تجعل المعيشة ضنكاً ، وتحوله إلى عبد للمال ، وخادم له بدل
أن يكون المال في خدمة الإنسان .والمال في نظر الإسلام ، له وظيفة اجتماعية،
والتصرف به كسباً وإنفاقاً ، مرهون بتحقيق تلك الوظيفة للفرد والأمة على حدّ سواء
وأي تصرف اقتصادي أو امتناع عن تصرف يلحق الضرر بالجماعة ، محظور شرعاً ، ويحتاج
صاحبه إلى وصاية وحجر .
قال تعالى:
(
وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً
وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ).(2)
ولعل من أهم المنطلقات الأساسية في
نظرة الإسلام إلى المال والحركة الاقتصادية التي تميز المنهج الاقتصادي الإسلامي
عن غيره ، وتجعله متفرداً ، هي: الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو المالك
الحقيقي للمال.
قال تعالى:
( لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ ).(3)
( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرضِ ).(4)
وأن ملكية الإنسان للمال ملكية وكالة
واستخلاف . قال تعالى:
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ
مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ). (5)
وهذا الاعتقاد ، الذي هو جزء من عقيدة المسلم ينتج عنه ـ حكما ـ أن تصرف الإنسان الاقتصادي كسباً وإنتاجاً وإنفاقا ً محكوم بإرادة المالك الأصلي وهو الله ، وهذا يعني بشكل أوضح أن الإنسان لا يمتلك حرية التصرف من كل ضابط، في كسب وإنفاق المال ، وإنما هناك ضوابط شرعية وضعها المالك الأصلي تحكم ممارساته جمعياً ، الأمر الذي يترتب عليه قيود
وهذا الاعتقاد ، الذي هو جزء من عقيدة المسلم ينتج عنه ـ حكما ـ أن تصرف الإنسان الاقتصادي كسباً وإنتاجاً وإنفاقا ً محكوم بإرادة المالك الأصلي وهو الله ، وهذا يعني بشكل أوضح أن الإنسان لا يمتلك حرية التصرف من كل ضابط، في كسب وإنفاق المال ، وإنما هناك ضوابط شرعية وضعها المالك الأصلي تحكم ممارساته جمعياً ، الأمر الذي يترتب عليه قيود
للكسب، وقيود للإنفاق ، أو بمعنى آخر : هناك
وسائل كسب شرعية ، ووسائل كسب محظورة
وغير شرعية لا يحق للمسلم ممارستها كالربا،
والميسر ، والاحتكار ، والغبن والغش، وكل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
سورة
القصص:آية 77.
(2)
سورة النساء :آية 5.
(3)
سورة
النساء: آية 126.
(4)
سورة
آل عمران: آية 189.
(5)
سورة
الحديد :آية 7.
العقود
التي تتضمن الغرر والخداع .وإن كانت هذه الضوابط بطبيعتها ، أقرب للأحكام ، أو فقه
المعاملات ، منها إلى تفسير ودراسة الظواهر اقتصادياً ،إلاّ أنه تشكل بوصلة الحركةالاقتصادية
التي سوف تضل العملية الاقتصادية بدونها .
ويجئ إقرار الإسلام لمبدأ التملك الفردي
بشروطه الشرعية ، استجابة لدواعي الفطرة وحافزاً لزيادة الإنتاج ، في الوقت نفسه
لم يجز وقوع التملك على المرافق ذات النفع العام، بل جعل ملكيتها جماعية ، قال
الرسول صلى الله عليه وسلم: (النَّاسُ
شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ:
فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ). رواهُ أحمدُ .
ورأى كثير من الفقهاء أن المرافق العامة ليست حصراً في هذه الثلاث ، وإنما قاسوا
عليها كل ما يقع في حكمها ، ولم يجيزوا ملكيتها لأحد مهما كانت صفته . وأن المرافق
الثلاثة الواردة في الحديث إنما جاءت على سبيل المثال والأنموذج، ولم تأت على سبيل
الحصر، لذلك يمتد الحكم إلى ما كل ما يشابها .يجب التأكيد هنا أن ما ورد في الكتاب
والسنّة حول المسألة الاقتصادية بشكل عام ، أو ما يمكن أن نسميه نظرة الإسلام إلى
المال ، إنما هو قيم وسياسيات ومبادئ عامة لضبط السيرة الاقتصادية .
ورسم اتجاهها وحمايتها من الانحراف ، أكثر من
كونها برامج تفصيلية وأوعية لحركة الأمة الاقتصادية ، وأن العقل المسلم هو الذي
يجتهد في ضوء هذه القيم والسياسيات العامة في إيجاد البرامج والأوعية الشرعية
للمسألة الاقتصادية في كل زمان ومكان
والادعاء اليوم بوجود البرامج ، أمل يعوزه الدليل الواقعي ، إلاّ بعض ما ورد
في الميراث وأنصبة الزكاة . ولابد أن نعترف: أن كثيراً من العلوم الإنسانية ومنها
علم الاقتصاد ، قد توقفت في حياة الأمة على المستوى العام ، إلاّ من بعض محاولات،
وملاحظات لم يكتب لها أن تشكل مجرى إسلامياً في حمأة الاقتصاد الربوي ، وأنه لابد لنا
اليوم من النزول إلى الساحة لاستئناف المسيرة الاقتصادية الإسلامية، ومجاوزة عقدة
الخوف من الخطأ التي يتولد عنها استسهال عملية التقليد والمحاكاة سواء كانت داخلية
أم خارجية .قد يكون بالإمكان الإفادة من الكسب البشري للأمم الأخرى وما أنجزته في
مجال التقنية الاقتصادية وآلات الفهم والتفسير في كل الجوانب التي ليس لها علاقة
بالجانب القيمي ، مع الحذر الشديد أن كثيراً من هذه التقنيات ليست محايدة ، بل هي
إفراز لحضارة وثقافة ، وإنسان ، وظروف، وشروط قد تختلف جزئياً أو كلياً عن ظروفنا،
وأن إصرارنا على تمييز الاقتصاد الإسلامي من غيره، تأكيد لهذا الحذر ، وإبراز
للأهداف والقيم التي تحكمه من دون سائر الأنماط الاقتصادية الأخرى ، ذلك أن تلك
الأنماط قد تكون أتقنت الوسيلة الحكمة والهدف .
وإذا كان هناك ما يبرر استيراد السلع الصناعية
والتقنية بنسبة كبيرة في ظل ظروف التخلف الاقتصادي الراهنة والتي يجب أن نجعلها
مؤقتة فإن الشيء الذي لا يغتفر هو اعتماد الدول العربية وبشكل كبير في غذائها علي
الدول المتقدمة رغم أن الدول العربية تمتلك مقومات الإنتاج الغذائي الأمر الذي
يكشف عن التفريط والإهمال وما كان أغنانا معشر المسلمين عن الاعتماد علي غيرنا في
تدبير أقواتنا لو اهتدينا بتعاليم الإسلام
الذي يأمرنا بعمارة الأرض والاستفادة من خيراتها بزراعتها فها هو رسول الله صلي
الله عليه وسلم يقول "إن قامت الساعة وبيد أحكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم
حتى يغرسها فليفعل" وقوله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضاً مواتاً فهي له (1).