يتأثر الاقتصاد السعودي بعدة عوامل أهمها الإنفاق الحكومي والتضخم والتمويل وسياسات التدريب والتوظيف والاستقدام والسياسات والقوانين المتعلقة بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية. وهنا أتناول الثلاثة الأولى.
الإنفاق الحكومي
يعتمد الاقتصاد السعودي على الإنفاق الحكومي والذي يعتمد بدوره على أسعار وإيرادات النفط. وقد توسع إنفاق الحكومة السعودية خلال الفترة من 2004 إلى 2011 نحو ثلاث مرات، بمتوسط نمو معدله 17 في المائة تقريبا سنويا خلال هذه السنوات. وبالأرقام المطلقة زاد من نحو 285 مليار ريال عام 2004 إلى قرابة 650 مليار ريال عام 2010، وقرابة 825 مليار ريال لعام 2011. أما الإيرادات فقد بلغت نحو 740 مليار ريال للعام 2010، ونحو 1100 مليار ريال عام 2011. وقد اتسمت عمليات الميزانية بإنفاق أعلى من المبالغ المقرة في الميزانية عند اعتمادها من مجلس الوزراء.
ومن المتوقع أن يحافظ الإنفاق الحكومي على زخمه خلال هذا العام 2012 والعام القادم، ولكن بمعدلات نمو أقل من 10 في المائة سنويا. ونتوقع تحقيق فائض في الميزانية في حدود 100 مليار ريال في العام الحالي 2012، أي نحو ثلث الفائض المحقق في العام الماضي 2011. من المتوقع أن يكون معدل نمو الإنفاق الحكومي أعلى من معدل نمو الإيرادات من حيث المتوسط السنوي في السنوات القريبة القادمة. ولذا نتوقع اختفاء تحقيق فائض، وتوازن الميزانية بعد سنتين أو ثلاث سنوات من هذا العام 2012. وبعدها من المحتمل دخول الميزانية في حالة عجز، إلا إذا ارتفعت أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل بصورة ملحوظة أو جمدت مستويات الإنفاق الحكومي.
التضخم
بلغ معدل التضخم قرابة 5 في المائة لعام 2011 (موقع مصلحة الإحصاءات العامة). وتضخم 2011 يساوي تقريبا نصف المعدل المسجل عام 2008، الذي كان أعلى معدل في السنوات الأخيرة.
من المتوقع أن تنخفض حدة التضخم قليلا في العام 2012، مقارنة بالعام 2011، لتدور حول معدل 4.5 في المائة. يرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب كاستقرار أو جمود نسبي في أسعار الأراضي حاليا، والذي يمكن أن يتحول إلى انخفاض غير كبير في أسعار بعضها اعتمادا على مسار عوامل كثيرة، المقام لا يتسع للحديث عنها. أما تكاليف البناء فبعيد جدا انخفاضها.
كما أن من الأسباب كون معدل نمو الإنفاق الحكومي المتوقع للعام 2012 يقل عن المعدل لعام 2011. من الأسباب أيضا استقرار نسبي لسعر صرف الدولار أمام عملات كبرى، واحتمال ارتفاع في سعره أمام اليورو، نتيجة أزمة الأخير. كما أن من الأسباب تراجع الزيادات في أسعار الطعام عالميا، وتشير تقارير منظمة الزراعة والطعام العالمية (الفاو) إلى زيادة نسبية في إنتاج المحاصيل الزراعية وتراجع ارتفاع أسعار الطعام خلال الشهور الماضية. إلا أن هذه التوقعات عرضة للتغير بسبب ظروف مناخية أو سياسية سيئة.
ويرجع التضخم المحلي للعام الجاري 2012 إلى ارتفاع أسعار الذهب، الذي يشكل سلعة مهمة لدى العائلات. كما يرجع أيضا إلى زيادة متوقعة في الإنفاق الاستهلاكي، نتيجة عدة عوامل كزيادة الدخل وتوسع الإقراض البنكي، وتوسع وارتفاع تكلفة البناء والتشييد. وينتقل تأثير الأخيرة على تكلفة المعيشة للمستهلكين بعدة طرق كالإيجارات.
التمويل
من المتوقع أن تستمر أسعار الفائدة متدنية خلال هذا العام. وقد ارتفع التمويل المصرفي لعام 2011 مقارنة بالعام الذي قبله قرابة 4 في المائة للقطاع الخاص و8 في المائة للأفراد. ومن المتوقع استمرار هذه النمو في العام الحالي 2012، حيث يزيد قليلا على معدل النمو المحقق في العام الماضي 2011.
وتبنى هذه التوقعات على استمرار تعافي النظام المالي المحلي من تبعات وآثار الأزمة المالية العالمية، وتوفر السيولة لدى البنوك، وارتفاع مستويات الإنفاق الحكومي، واستمرار وتيرة تنفيذ مشاريع القطاع العام، وحاجة الشركات الحكومية وغير الحكومية إلى إنفاق المزيد على الاستثمارات الرأسمالية.
كما أن حاجة المقاولين المتنامية إلى تمويل يزيد الطلب على التمويل. كما أن طلب الأفراد سيزيد وخاصة من جهة الطلب على المساكن. ومن جهة أخرى، ستعمل قوانين الرهن والتمويل العقاري (في حال صدورها) على زيادة نمو التمويل المصرفي، وعلى ربط القطاع العقاري بالقطاع المالي بصورة أقوى كثيرا مقارنة بالوضع القائم حاليا.
عملت التطورات الرقابية على النظام المالي، والتي أقرت خلال الأعوام الماضية بعد ظهور الأزمة المالية العالمية أواخر 2008، وتم تبنيها عالميا، بهدف حماية النظم المالية من تكرار الأزمة المالية العالمية، عملت على تقليل مخاطر الإقراض.
من المرجح أن يبدأ نمو الإقراض بالهدوء والتباطؤ في أواخر 2012 أو بداية 2013 مع ارتفاع نسبة القروض إلى الودائع، ورغم هذا التباطؤ، إلا أن من المتوقع أن تكون معدلات نمو الإقراض أعلى بوضوح من المعدلات المحققة في 2010 و2011.
باختصار، كان نمو الاقتصاد السعودي (واقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عامة) للعام الماضي 2011، أفضل من التوقعات، نظرا للارتفاع الكبير في إيرادات النفط. أما خلال هذا العام فمن المتوقع أن تقل قوة النمو نظرا للاستقرار النسبي المتوقع في إيرادات النفط. ومن المتوقع أن يشهد قطاع التشييد والبناء نموا قويا خلال العام الجاري 2012، مدعوما بالإنفاق الحكومي ومخصصات التمويل الإسكاني. أما أبرز تحديات الاقتصاد المحلي هذا العام فستبقى كما هي: البطالة ومشكلات سوق العمل والإسكان وارتفاع أسعار الأراضي السكنية. أما التحديات المزمنة فتتركز في تنمية اقتصاد غير متطور. وبالله التوفيق.